
الفصل رقم ٢٧: F.R.I.E.N.D.S – ٢/٢
الفصل رقم ٢٧: F.R.I.E.N.D.S - ٢/٢
مع الوقت دخلت الأمتحانات عندي في الكلية، وفي أيام الإمتحانات اتعرفت على “صاحبي السلفي”.
صاحبي السلفي كان بالنسبالي زي E.T بالنسبة لElliot في فيلم E.T، حاجة من صغري بشوفها في السينما والتلفزيون لكن لأول مرة في حياتي أقابلها، فبقيت كل ما أشوفه في الكلية أسيب صحابي وأروح أقعد معاه ندخل في جدالات كتيرة جداً وطويلة جداً عن “الالتزام” بتاعه وال cocktail lifestyle بتاعي.
مفيش شك أن من رمضان ٢٠٠٧ “تديني” بقى أكثر انضباطاً بكتير عن قبل كدة عشان كل الأسباب اللي ذكرتها، بس دا ميمنعش أني طول الفترة دي كنت لسة مخرجتش من حدود حياة الإنحراف لحياة الالتزام الحقيقي بكل ما علمت من قال الله وقال الرسول.
طبعاً تصرفاتي المتناقضة كلها كانت تعتبر أقل اثماً في الشرع من تصرفاتي قبل رمضان ٢٠٠٧، لكن مع كدة more schizophrenic للي حوليا، عشان زمان ممارستي للدين كانت بسيطة يدوب على أد الصلاة والأدب في التعامل مع الناس والمشاركة في العمل الخيري فكان التناقض اللي في حياتي بيظهر للي حوليا على أني “شاب محترم” او “إبن ناس كويسين”، بس لأني بعد رمضان ٢٠٠٧ بدأت أنفذ تفاصيل الدين التناقض بقى اوضح كتير خصوصاً للناس القريبين مني زي أهلي وصحابي. وعلى قدر التناقض في تصرفاتي وقدر استغراب أهلي وصحابي كان الصراع جوايا بيزيد، لكن كالعادة محدش كان فاهمني ولا أنا حتى فاهم نفسي، ليه بعمل كدة وليه بعد كل دا مش قادر أبقى بجد متدين؟ وبعد حيرة وتوهان لفترة كبيرة لقيت الإجابة في حواراتي مع صاحبي السلفي، ومن ساعتها بدأت حياتي تتغير.
من أجمل الحاجات اللي عجبتني في شخصية صاحبي السلفي هيا صدقه مع نفسه أنه مسؤول مسؤولية كاملة عن أي تقصير منه تجاه ربنا، بغض النظر عن أي ظروف، في حين أني كنت لسة بقنع نفسي أن الزمان والمكان بما فيهم من شهوات وشُبهات هما ظروف خارجة عن إرادتي مسؤولة عن تقصيري المتكرر تجاه ربنا، فببرر تقصيري دا بيهم، وبالتالي بسيب الزمان والمكان يغيروني ويأثروا على ديني مش أنا اللي بإيماني بتحكم فيهم أعدلهم حسب طلبات ربنا.
النقطة دي كانت mindblowing بالنسبالي لأني أخيراً أكتشفت السر في أني في اوقات معينة – زي إجازة نص السنة وأخر السنة ويوم الخميس من كل أسبوع – وفي أماكن معينة – زي في السخنة، شرم، الغردقة، مارينا او في gathering او café او قهوة او club – سلوكي بيتغير – تدريجياً مع الزمن برضه – عن في الأماكن والأوقات العادية، وبالتالي الإيمان اللي ببنيه من خطبة الجمعة او في رمضان، من البرامج الدينية وصلاة التراويح، بيتهد، وعلى نص الأسبوع او اجازة نص السنة بيكون خلص، وببدأ أبعد لحد ما يجي يوم الخميس التالي او يدخل الصيف فألاقيني بتصرف غلط، ولما الأسبوع اللي بعده أسمع خطبة الجمعة او لما الصيف يخلص ورمضان يبدأ أرجع أتوب من نفس المعاصي اللي قررت أتوب منها كذا مرة قبل كدة.. vicious circle، والسبب أني كنت بسيب “نفسي” للزمان والمكان والشهوات والشُبهات، وكان حلها عند صاحبي السلفي هو “التربية”.
أنا فاكر أن من أوائل الدروس الدينية اللي سمعتها في بداية اتجاهي للسلفية هي سلسلة للشيخ محمد حسين يعقوب أسمها “أصول الالتزام”. كان فيها بيتكلم بشدة وغلظة وبيزعق، لكن على قد ما كان كل دا ممكن بينفر كان بالنسبالي كنز وأصريت أني أسمعه للنهاية، لأنه في جوهر كلامه كان بيتكلم في حاجة نادراً جداً لما تلاقي حد فاهمها، وهي ‘أصول الإلتزام’.
وطبيعي، اتطور التناقض اللي في شخصيتي إلى أني بقيت بسمع لشيوخ زي محمد حسان ومحمد حسين يعقوب وأبو إسحاق الحويني، وفي نفس الوقت بسمع معز مسعود ومصطفى حسني ود. عمرو خالد.
مرة وأنا بتكلم مع صاحبي السلفي أستشهدت بمعز مسعود وأ. مصطفى حسني أنهم بيقدموا دعوة للتدين السليم وأن مفيش داعي للتشدد الزائد اللي عند الشيوخ السلفيين. ساعتها صاحبي السلفي قالي خلينا نأجل النقاش في الخلافات الفقهية لأنها محدودة جداً يمكن أقل من 0.01% من الشريعة وأغلبها مقبولة وواخدة أكبر من حجمها، لكن أنت نفسك راجع كلام معز مسعود ومصطفى حسني بتركيز وقارنه بحياتك وتصرفاتك، هل أنت فعلاً بتنفذ كلامهم؟ هل أنت بتنفذ ال99.99% اللي كل الشيوخ والدعاة متفقين عليها؟ مشكلتي ومشكلتك ومشكلة كل المسلمين مش دعاة وسطيين ودعاة متشددين، وإنما مشكلتنا أن إحنا نفسنا مبنّفذش كلام حد فيهم.
طبعاً رده دا كان مفاجئ جداً ليا، كنت متوقع أنه يدافع عن فكره وشيوخه ويدخل معايا في المناظرات اللي بحبها عن حكم المعازف واللحية وصلاة الجماعة وصفة الحجاب ومصافحة النساء وباقي المسائل المشهورة اللي أنا حافظ ردودها من النت وبحب أفتحها وأتكلم فيها بسبب وبدون سبب عشان أحس وأظهر للقدامي أني فاهم فقه كنوع من المراهقة الدينية، ولكنه كعادته كان عاقل جداً ومسمحليش أدخله في جدال عن مشكلة فرعية وإنما رجعني لمشكلتي الأساسية؛ أني أنا نفسي اللي مش كويس وبهرب من الحقيقة دي بأني أنسب فشلي في طاعة ربنا لناس تانية ملهومش سيطرة عليا، بغض النظر مين هما وبيقولوا إيه.
هدوئه في الحوار وابتسامته المستمرة وضحكاته العفوية الوقورة خلتني أفضل القعاد معاه عن أي حد من صحابي. ناس كتير من دفعتنا والدفعة الأكبر مننا كانوا بيستغربوا قعدتي معاه؛ عمرو وسلفي don’t mix، لكني مكنتش بقدر أقاوم رغباتي الاستكشافية خصوصاً في الأمور الفكرية، ومع بداية خلاف صحابي على إذا ما كان صاحبي السلفي نزوة وكالعادة بجرب حاجة جديدة ولا خلاص بجد بتغيّر بدأ خلافي أنا ونفسي، ومن شدة غموض قعدتي مع صاحبي السلفي كان رد فعل صحابي كل واحد حسب شخصيته..
صحابي “الجدعان” كانوا مهتمين بجد يعرفوا أنا بفكر في إيه ولما يشوفوني يسألوني باهتمام مين الولد اللي بتقف معاه دا؟ بتتكلموا في إيه وإيه اللي مخليك مهتم بيه كدة؟ صحيح كانوا مش ملتزمين بس حياتهم كانت زي حياتي، لا دين والتزام ولا فجور وانحراف، وهما دول اللي طول محاولات إلتزامي كانوا بيشجعوني باستمرار وإن كانوا معندهمش استعداد يتغيروا. الحمد لله واحد منهم إلتزم دلوقتي. بعد ما اتخرجنا كانت انقطعت علاقتي بيه سنة كاملة وكانت أخباره بتوصلني باستمرار أن حياته بقت بنات وpillات وحفلات، وشرب وسهر وسفر، حتى باقي صحابنا العاديين محدش بقى عارف يكلمه ولا يوصله، فضلت شهور أسمع أخباره وأدعيله في كل سجدة، وفي يوم بعد سنة مسمعتش صوته لقيته بيتصل بيا من رقم غريب بيقولي عايز أقابلك. عدى عليا بعربيته، أخدته اشترينا عصير ورحنا مكان فاضي فتحنا الmoonroof وحكالي كل اللي حصله من يوم ما اتخرجنا لحد ما قابلته.
قصتة عاملة زي فيلم euro trip بس أطول بكتير، قضى فيها سنة من السفر بين شرم والغردقة وأوروبا، بِعد عن الدين أكتر مني بكتير جداً لحد ما بقى الإسلام والقرآن بالنسباله محل عشرات الشكوك. المهم حكالي وقالي أنه بيحب بنت مش مسلمة بس متدينة جداً وأنها طلبت منه يغيّر دينه عشان يتجوزوا، فجالي عشان يعرف إزاي يقنعها بأن الإسلام هو الدين الحق عشان بيحبها، وهو أصلاً مش مقتنع.. ومعروف في كتب العلم أن “داء العشق” هو من أصعب الإبتلاءات اللي ممكن يمر بيها شاب مسلم، مش بس كدة ولكن بيعشق بنت مش مسلمة وبتشككه في دينه. قضينا أسابيع نسهر مع بعض نقرأ ونذاكر ونضحك ونهزر، لحد ما بقينا عارفين ردود كل الشبهات اللي سمعناها عن الإسلام. اللي يشوفه دلوقتي وهو بيتكلم عن عظمة القرآن ويرد الشُبهات عن الإسلام ويدخل ناس على إيده في الإسلام ميصدقش أنه في يوم من الأيام كان غير ملتزم. قصته معايا عاملة زي اللي كنت بسمعها زمان في قصص التوبة اللي الشيوخ بيحكوها وأقول دي أكيد حد مألفها، لكن القاعدة عند ربنا أبسط بكتير وهيا أن اللي فيه خير ربنا بيهديه مهما كان بعد، واللي مفهوش خير بيفضل يبعد لحد ما بيموت.
المهم غير صحابي الجدعان كان ليا صحاب مش تمام، ودول اللي كانوا أبعد مني – ظاهرياً في وجهة نظري ساعتها – عن ربنا، فكانوا لما يشوفوني يتريقوا. طبعاً كانوا بيعملوا كدا بدافع الهزار مش أكتر لكن المواقف اللي زي دي هيا اللي بدأت تحسسني بالتناقض الشديد اللي كان لسة في حياتي حتى بعد كل التغيير اللي حصلي.
المهم أنا دلوقتي في مارينا وأخيراً خلصت امتحانات الfinal، ولأول مرة في حياتي دخل الصيف وأنا مش بس لسة متدين من رمضان اللي فات، لأ كمان بقيت أحسن من ما كنت في رمضان بكتير جداً، وبفهمي الجديد لأن الزمان والمكان هما مجرد ظروف وأن ديني هو اللي بيتحكم فيهم مش هما اللي بيتحكموا في ديني، وبأني لو صادق مع ربنا ألتزم بكلام معز مسعود ومصطفى حسني، جيت مارينا وأنا لأول مرة مقرر أني مش هروح أي مكان “فيه حاجة حرام”، ظناً مني أن دي الحاجة الوحيدة اللي كانت نقصاني عشان أعرف أثبت على الدين.
وفعلاً، قاطعت la plage وspot والـcafés وgatherings الشاليهات، وبقى لعب الـbowling والبلياردو والكورة هيا أمتع حاجات حلال ممكن أعملها بالليل في مارينا، وبقى الswimming pool وشاطئ بوابة ٧ المهجورين والsea gull والشانزليزيه بتوع العواجيز هما الأماكن اللي مفهاش مخالفات كبيرة ممكن أروحها، طبعاً بجانب أكل الزلابيا على البحيرة المستديرة او التأمل في أضواء بورتو مارينا من على لسان الوزراء، مين قال أن مارينا مفهاش حاجات حلال تتعمل؟ بالعكس في حاجات حلال كتير تتعمل في مارينا، بس أنا اللي كنت بختار الأماكن اللي فيها معاصي.
ورغم أن الحاجات دي كانت ممتعة جداً بالنسبالي بس مكانتش ممتعة بنفس القدر بالنسبة للناس اللي أعرفها، لكن بقيت كل يوم أشوف حد زهقان من خروجات الكافيهات وأخده معايا يعمل حاجة جديدة. مرة أكلم صحابي بتوع الجامعة ومرة صحابي بتوع المدرسة، مرة ولاد خالاتي ومرة أصحاب أخويا، سعات اللي أكلمهم يجي منهم واحد او ٢ وسعات يجوا كلهم، ولو حتى يوم او يومين في الأسبوع ملقتش حد يجي معايا بخرج آكل مع صحابي في restaurant هادي وأسيبهم يكملوا خروجتهم وأروّح أقضي باقي اليوم مع أهلي. يعني، كنت بتصرف وكانت الأيام بتمشي من غير زهق بس أهم حاجة هي أني بقيت بخرج بمزاجي في المكان اللي يناسب ديني ومبادئي، ودا كان كافي جداً بالنسبالي.
لكن للأسف، كل دا كان سهل في بداية الصيف وقت ما مارينا بتكون هادية، لكن كل حاجة في مارينا بتتغير مع بداية الـhigh season..
دخلنا نص ٧؛ ثانوية عامة خلصت، الحفلات بدأت، رمضان قرب والصيف بدأ يخلص. مارينا اتزحمت جداً والناس بقت في كل حتة، وتحس أنهم أتجننوا عندهم euphoria؛ عربيات معلية الأغاني جداً، birthday parties على dodge rams، شباب وبنات بيرقصوا في الشوارع، teenagers بيتخانقوا، ازايز الheineken زي الpepsi في إيد الناس.. فجأة – زي كل سنة – مارينا قرية الهدوء والجمال بتتحول لمجتمع منحرف..
طبعاً عشان أخرج في مكان “مفهوش حاجة حرام” بقى شبه مستحيل وحتى أماكن خروجي اللي اخترتها عشان بعيدة عن الفتن مبقتش هادية ومحترمة زي ما كانت في بداية الصيف؛ الswimming pool وشاطئ بوابة ٧ المهجورين بقوا زحمة وصعب جداً أقعد هناك من غير ما يكون حوليا مناظر مخلة، وصحابي اللي كنت بكلمهم يجوا bowling او كورة بقوا يجوا ومعاهم البنات اللي أعرفها عشان كانوا متفقين يخرجوا معاهم، او لما نتقابل نقعد عالبحيرة يجوا ومعاهم صحابنا بتوع الخمور والمخدرات اللي بطلت أقابلهم من زمان، ومع أني كنت كعادتي مُحترم في تعاملي مع البنات إلا أن مع الوقت لعب الbowling او الكورة بقى أسوأ عن أننا نتقابل في مطعم او café او gathering في terrace شاليه، ورغم أني الحمد لله عمري ما شربت خمور او مخدرات لكني لقيت قعدة البحيرة أتحولت من جلسة تأمل وأسترخاء وحوارات راقية عن الماضي والمستقبل والهدف في الحياة لجلسة مليانة هلس وسخافة وكلام تافه زي بتاع أيام المراهقة..
المشكلة الأكبر هي أن كل الناس دي كانت بتتعامل معايا على أني عمرو صاحبهم بتاع السنة اللي فاتت، قبل رمضان ٢٠٠٧، لأن أغلبهم مش من الكلية وميعرفوش أني بدأت ألتزم دينياً، فمثلا البنات يفتكروا لحيتي الخفيفة dirty look ويجاملوني عليها، او يفتكروا صمتي وهدوئي مقارنة بhyperة باقي الناس تقلان وmysteriousness فيحبوا يختلطوا بيا أكتر.. مبقتش عارف أتصرف إزاي لما بنت تهزر معايا او تشكيلي أن صاحبها سابها، او لما واحد ياخد رأيي في خناقة بينه وبين صاحبته، او يقول ألفاظ خارجة وهو بيحكيلي عن مغامراته الجنسية..
بقيت حاسس أني في مكان غير مكاني، او بالأصح مع صحاب مش صحابي. بحبهم جداً وعايز أكون معاهم بس عارف أن أسلوب حياتنا غلط وهيرجعني زي ما كنت، فطول مانا معاهم مش مبسوط. بقيت أتفادى أقعد جنب أي حد حاسس أنه ممكن يشركني في حوار او تصرف غلط عشان أحافظ على ديني ومبادئي، وبقيت أداري كل أفكاري وخواطري ورا صمتي وابتسامتي، وبدأت انطوائيتي المقبولة تخرج من spectrum الambiversion وتتحول لحالة psychotic، مش لأني بدأت أبعد عن صُحبة السوء، نهائي، مستحيل حاجة ترضي ربنا تكون سبب مشكلة نفسية، وإنما عشان مكنش عندي صُحبة بديلة في مجتمعي، غير نفسي.
“No one could ever know me, no one could ever see me.
Seems like you’re the only one who knows what it’s like to be me.
Someone to face the day with, make it through all the rest with,
Someone I’ll always laugh with, even at my worst, I’m best with you.
It’s like you’re always stuck in second gear,
When it hasn’t been your day, your week, your month, or even your year..”
— The Rembrandts, I’ll Be There For You

Amr Ali Ibrahim
My name is Amr Ali Ibrahim. I'm an Egyptian dentist, digital marketer, and novelist from Cairo, born in 1986 and graduated from ASU Dental School in 2009. The novel "مارينا.. كان يا مكان" is considered my first published print book, and I have some other works that are not published as prints yet, however, I've published them on this website.