الفصل رقم ٢٩: Autocross

الفصل رقم ٢٩: Autocross

الجمعة ٢٦ أبريل ٢٠١٣ ­ الساعة ٤:٣٠ ص – مارينا، الشانزليزيه

 

وصلت عند المسرح الروماني، وقدام المسرح الروماني شفت ملاعب الشانزليزيه وشفت نفسي عندي ١٢ سنة وبلعب كورة مع ولاد خالتي وأولاد صحاب بابا. كبرت شوية وبقيت ألعب مع صحابي بتوع المدرسة، وبعدين كبرت أكتر وبقيت ألعب مع صحابي بتوع الجامعة، بعدها كبرت أكتر، وللأسف مبقاش عندي وقت للعب الكورة..

 

من أول يوم جيت مارينا ولعب الكورة من أمتع وأفيد الحاجات الحلال اللي كنت بعملها. وكنت وأنا صغير بروح ملاعب الشانزليزيه كذا مرة في الأسبوع، لكن سنة ورا سنة بقيت أبعد عنها، لحد ما في صيف ٢٠٠٧ ملعبتش هناك غير مرة او مرتين.

 

لأني لما بقى معايا موبايل وعربية ومفاتيح الشاليه بقى برنامج يومي مختلف عن وأنا صغير؛ بحر لحد المغرب، خروج لحد الفجر، ونوم لحد الظهر. وكل يوم حد جديد جاي مارينا “لازم” أقابله، وكل weekend أماكن جديدة بتفتح في مارينا و”ضروري” أخرج فيها، فبقيت مشغول عن أني أعمل حاجة حلال ومفيدة زي لعب الكورة، وبالتالي كان طبيعي جداً أني لما حبيت معملش حاجة حرام في صيف ٢٠٠٨ رجعت للعب الكورة تاني.

 

بصيت جنب المسرح الروماني لفيت الساحة اللي أتلعب فيها أول autocross في مارينا. كان في صيف ٢٠٠٣ إجازة تانية ثانوي. يومها كانت الساحة دي زحمة جداً، لكن دلوقتي فاضية خالص. فرصة أتجول فيها وأتأمل شوية.

 

سباق autocross هو من أبسط أنواع الauto racing، وزي كل الmotorsports في تشابه كبير بينه وبين الحياة الدنيا. من أهم الحاجات اللي بتميز سباق autocross عن باقي أنواع مسابقات العربيات أنه بيعتمد بشكل أساسي على مدى حفظ المتسابق للtrack اللي نازل يلعب عليه، ودا حال المسلم مع الصراط المستقيم.

 

فزي ما متسابق autocross بيقابل obstacles وsharp turns عالتراك عشان لجنة التحكيم تختبر مستواه الفني برضه المسلم بيقابل فتن وابتلاءات عالصراط المستقيم عشان ربنا يختبر مستواه الإيماني؛ قال تعالى:

 

تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير ، الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ – الملك/١-٢

 

كمان ربنا قال:

 

الم ، أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ – العنكبوت/١-٣

 

وكل ما يكون متسابق اوتوكروس دارس التراك وعارف كويس إيه المطلوب منه كل ما يقدر يلعبه أحسن ويخلصه أسرع، ودا يفهمنا السبب من أن ربنا حكلنا قصص الأنبياء والصالحين في القرآن، أنه عايزنا نفهمها ونتعلم منها، عشان لما الفتن والإبتلائات تقابلنا عالصراط المستقيم نعرف نتصرف؛ قال تعالى:

 

لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ – يوسف/١١١

 

فمتسابق autocross المجتهد بيذاكر التراك كويس وبيحفظ أماكن البراميل جداً، بحيث أنه لما ينزل يلعب يقدر يستعد ليها وهوا خارج من الdrift اللي قبلها، وبالتالي بمجرد ما بيشوفها بياخد قراره بهدوء واطمئنان، بالظبط زي ما المؤمن بيعمل لما وهو ماشي عالصراط المستقيم بيقابل إبتلاء:

 

وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا – الأحزاب/٢٢

 

أما المتسابق اللي مبيذاكرش التراك كويس فبيشوف البراميل يتفاجئ، فيلعبها غلط ويعديها بسرعة، بس بعد ما بيخلّص التراك مبسوط بالrecord المميز اللي حققه بيتفاجئ أنه في المركز الأخير، لأنه كان بيلعب تراك تاني خالص غير اللي لجنة التحكيم طالباه منه.. قال تعالى:

 

قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا ، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا – الكهف ١٠٣/١٠٤

 

وقال:

حَتَّى إِذَا جَاؤُوا قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ – النمل/٨٤

 

وقال:

وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا ، أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا – الفرقان/٢٣-٢٤

 

ولأن ربنا رحيم بينا جداً فدايماً بين كل إبتلاء وإبتلاء بيسيبلنا مسافة زمنية مفهاش أي عقبة. بل حتى بيخلي الدنيا سهلة ويسيرة ويرتب كل العوامل بحيث تكون في صفنا، زي بالظبط في autocross لما بعد لعب الtrackـات لجنة التحكيم تطلب من المتسابقين يلعبوا sprintـات، ويعملوا طريق مستقيم مفهوش براميل تشد فيه العربيات مع بعضها. طبعاً ربنا مش بيعمل كدة عشان نستجم عالصراط المستقيم ونريّح، وإنما عشان يدينا فرصة نجري ناحيته بسرعة. وبالتالي، بنلاقي أن اللي بيكسب الsprint هو اللي عربيته بتحرق بنزين أسرع وأكتر، او اللي عربيته فيها “turbo”..

 

الturbo، او الأسم الكامل “turbochargers”، هو من أذكى اختراعات القرن ال١٩، عمله راجل سويسري عبقري أسمه Alfred Büchi. بأختصار، بوشي كان هدفه أنه يستفيد من العادم الناتج عن حرق الموتور للوقود بدل ما يسيبه يخرج يضر المجتمع، ولعبقريته أستخدمه في أنه يزود سرعة الموتور نفسه.

 

ببساطة طريقة عمل الturbocharger تتلخص في أنه بياخد العادم/الدخان الخارج باندفاع شديد جداً من الموتور العربية ويدخله على turbine فتلف بسرعة جداً. تشغل air pump بقوة الturbine فتكبس الهواء جامد وتخلي مساحته صغيرة جداً أصغر بكتير من الهواء العادي. يدخل الهواء المكبوس عالموتور فالموتور طبعاً يتبسط، لأن هواء التربو المكبوس وفر ليه مساحة فبقى يقدر ياخد أوكسوجين أكتر كأنه موتور أكبر، فبقى يحرق أجمد، والعربية بقت تمشي أسرع، ودا بالضبط اللي أي شاب مسلم ألتزم بعد ما كان “منحرف” ممكن يعمله، أنه يتأمل ذكريات الماضي ويحللها، فلما يحللها يفهمها، ولما يفهمها قلبه يقتنع أكتر، فيعبد ربنا أحسن، ووعظه للناس يكون أصدق وتأثيره فيهم أقوى، فيقرب لربنا أسرع، لدرجة أن الturbo ممكن يخليه يسبق واحد ملتزم من فترة أطول، بالضبط زي ما حصل مع سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه.. قال تعالى:

 

إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا – الفرقان/٧٠

 

لكن مع ذلك الملفت للنظر أن أشهر مثل دارج في culture الmotorsports هو:

 

“It’s not the ride, it’s the rider”

 

فرغم أن أداء متسابق autocross بيعتمد بشكل كبير جداً على العربية اللي راكبها إلا أن وارد جداً أن متسابق بعربية جامدة يخسر قدام متسابق بعربية أقل من عربيته، لأن نقلاته وdriftـتاته غلط، عشان مش مركز. في نفس الوقت وارد جداً أن متسابق بعربية بسيطة يكسب title لأنه مركز جداً فكل نقلاته وdriftـتاته perfect. طبعاً الكلام عن التسابق بالعربيات، بس لما تأملته لقيته بالضبط زي كلام ابن القيم رحمه الله عن التسابق في الخيرات:

 

“فإن الأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها وإنما تتفاضل بتفاضل ما في القلوب، فتكون صورة العاملين واحدة وبينهما في التفاضل كما بين السماء والأرض.”

 

فأكتر عامل بيرفع قيمة الأعمال الصالحة عند ربنا هو قدر تركيز العبد فيها ومدى تصديق قلبه بأن كل حركة بيعملها وكل لحظة بيقضيها وهو في العمل الصالح هيا عشان يرضي ربنا وبس دوناً عن أي حاجة حواليه ممكن تشغله.

 

علماء الدين بيسموا الموضوع دا “الإخلاص”، وبيه يقدر مسلم إمكانياته المادية او الأجتماعية بسيطة يسبق ناس أقوى او أغنى او أشهر منه بكتير، فمثلاً موظف مصلحة حكومية درجة ثالثة يقدر بصدقة صادقة بسيطة يسبق مرشح مجلس شعب بنى مسجد لأهل دايرته فقط عشان الناس تنتخبه، او أصحاب شركات multinational عندهم charity sector بيصرفوا فيه ملايين الدولارات فقط عشان يتهربوا من الضرائب بنوع من الدعاية الغير مباشرة.

 

لكن مع كدة يفضل المؤمن بطبيعته عالي الهمة وصادق النية، وتفضل المثالية في أن المسلم يكون زي رامي serry او تامر pachat او عمرو mcgyver، سواق جامد بعربية جامدة، ساعتها يسبق الناس كلها، لأن طبيعي كل ما يكون المتسابق عنده إمكانيات ذهنية ومادية ونفسية أعلى كل ما يقدر يتحرك عالأسفلت أحسن. سرعة البديهة، قوة الكَتِف، الثقة بالنفس وإمكانيات العربية، كل المميزات دي بتفرق جداً بين متسابق والتاني وبتحدد مين فيهم هيخلص التراك في وقت أقصر. وصاحب أعلى مميزات هو اللي بيعمل record جديد، بشرط: التركيز.

 

كذلك في الدين برضه، فالمسلم اللي عنده علم واسع بالشرع والحياة مش زي قليل الأطلاع على القرآن والسنة والعلوم والفنون. والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، واليد العليا خير من اليد السفلى، وأقرب المؤمنين للنبي صلى الله عليه وسلم مجلساً يوم القيامة أحاسنهم أخلاقاً. فالإيمان بضع وسبعون شعبة أبسطها “إماطة الأذى عن الطريق”، وكل ما المؤمن يرتقي فيها كل ما يزيد مستوى إيمانه لحد ما يوصل لمرتبة الإحسان، المثالية. وطبعاً كقاعدة ثابتة كل دا ملوش أي قيمة من غير الإخلاص.

 

أخيراً، زي ما سباق autocross بيتلعب على أكتر من round برضه المسلم بيعدي بكذا مرحلة في طريقه للألتزام. وأنا مع دخولي سن المراهقة ولحد نص تانية ثانوي كانت حياتى كلها تمرد وجنون ومشاكل مع أهلي. إهمال في المذاكرة وتزويغ من المدرسة، استدعاءات ولي أمر وسوء أدب في الكلام، خروج كل يوم وسهر برة البيت.. حجات عمر ما بابا وماما شفوها من أخويا او أختي، والمشكلة أني كنت يوم ورا يوم بتغير للأسوأ.

 

وفي يوم من تانية ثانوي وأنا وصحابي مروحين من درس الbiology وكالعادة بنpass الكورة لبعض من فوق العربيات وتحت الأتوبيسات عملت حركة متهورة فعربية خبطتني ورجلي أتكسرت. صحابي خدوني بسرعة عيادة بابا في الكوربة فجبسني وقالي هتقعد في السرير أسبوعين لحد ما تقدر تمشي.

 

خلال الأسبوعين دول كان بابا وماما وأختي وأخويا بيأكلوني ويشربوني ويونسوني بعد ما كان بقالي سنين عايش وسطهم لكن مستقل بنفسي، بس كنت لما كلهم يناموا بفضل صاحي بالليل لواحدي، لأن في الليل الcortisone بيتسحب من الدم فالألم في الكسر بيزيد، ويزيد معاه الأرق، فمعرفش أنام.. كنت بطلب من ماما تقفل النور وتسيب الستارة مفتوحة عشان أتفرج عالطيارات وهيا معدية وأستنى القمر يعدي يطمّن عليا. ساعتها بدأت لأول مرة من سنين عشتها بجنون أتأمل في حياتي، طبيعي لما الواحد يسهر لواحده في هدوء يبقى أكثر عقلانية – بأستثناء الثواني اللي بيكون فيها طيارة معدية. قضيت ليالي كتير أقارن بين نفسي في الماضي والحاضر ولو فضلت كدة هكون إيه في المستقبل.. وبعد سنين من التقليد الأعمى “بدأت” تاني أفكر، وبramp أتكسرت فيه رجلي بدأت أول round ليا عالصراط المستقيم.

 

بصيت عالساحة وهيا فاضية. فين الـdj والسماعات؟ والجماهير والإعلانات؟ والtrackـات والعربيات؟ مفيش غير أسفلت وبس. كأنه حال الأرض بعد النفخ في الصور والناس كلها في القبور. قال تعالى:

 

“اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ..” – الحديد/٢٠

 

أتأثرت جداً وقررت أدعي شوية. دعيت ربنا يهديني ويثبتني، ودعيته يصلح حال المصريين، وأفتكرت البنت اللي بحبها فدعيت ربنا أنه يوفقني معاها للي فيه الخير.

 

 

 


“ويبقوا الناس بهالساحات

شي معهن اكياس، شي عربيات

رايحين جايين وعطول الطريق.. تهدر غنيات..

آه، يا سهر الليالي …آه، يا حلو على بالي

غني .. آه … غني آه

غني على الطرقات”

 

— فيروز، سهر الليالي

 

My name is Amr Ali Ibrahim. I'm an Egyptian dentist, digital marketer, and novelist from Cairo, born in 1986 and graduated from ASU Dental School in 2009. The novel "مارينا.. كان يا مكان" is considered my first published print book, and I have some other works that are not published as prints yet, however, I've published them on this website.

“From day to day, my journey, the long pilgrimage before me. From night to night, my journey, the stories that will never be again. No day, no night, no moment can hold me back from trying. One flag, one fall, one falter, I’ll find my day maybe Far and away. One day, one night, one moment, with a dream to believe in. One step, one fall, one falter, find a new world across a wide ocean. This way became my journey, this day brings together, far and away…”

— Enya, Far and Away

Subscribe to my Newsletter

Would you like to get the occasional newsletter right to your email?